logo
shahid

ولادته

ولد الشهيد السيد عبدالمجيد في 15 من شهر ربيع الأول 1382هـ الموافق 16 من شهر اغسطس (آب) 1962م، في النجف الأشرف مدينة العلم والخير والعطاء، في أسرة شريفة من سلالة النبي الكريم (ص) فقد نشأ وترعرع في أحضان والده وعني بتربيته الامام السيد ابوالقاسم الموسوي الخوئي (قده)، حيث ترسم فيه الطموح وحب الخير والعلم والفضيلة، فمنحه الكثير من عطفه ورعايته وإرشاداته، كما منحه في ما بعد الكثير من ثقته، وهو مدرسته الاولى. وورث من والده العظيم النباهة والسؤدد، كما غذّته والدته الطاهرة رحمها الله من إخلاصها وورعها، فاجتمعت له الخصال الحميدة التي صنعت منه مثال الطالب المهذب المجد، ومن بعد ذلك رائدا للخدمات الاجتماعية والثقافية والخيرية، في زمن صعب كثر فيه المتقاعسون عن خدمة الجامعة العلمية الدينية في النجف الاشرف، وقل فيه المخلصون للدين وخدمة الناس والوطن.

دراسته

تلمذ الشهيد في مدارس النجف الاكاديمية، والتحق مبكرا بالحوزات العلمية الدينية، وبدأ دراسته الدينية فيها سنة 1395هـ ، فقرأ العلوم الأدبية والمنطق وبعض المتون الفقهية عند المهرة من أساتذة هذه الحاضرة العلمية، وبعد أن أكمل دراسة المقدمات واصل دراسته للسطوح العالية على يد أساتذة قديرين، منهم: السيد محمد رضا الخلخالي، والشيخ عبد الحسين آل صادق، وأخيه السيد محمد تقي الخوئي، والشيخ باقر الايرواني، وبعد أن أكمل دراسة السطوح العالية حضر بحث خارج والده الإمام الخوئي سنة 1404هـ حتى زمان هجرته من النجف الأشرف بعد الانتفاضة سنة 1991م.
shahid
shahid

نشاطاته

لم يكن الجانب الحوزوي مستحوذاً على كامل شخصية الشهيد بل كانت تتملك هذه الشخصية أبعاد اجتماعية وسياسية مختلفة تكاملت فيما بينها لتصوغ شخصية ذات حضور قوي ومؤثر في مجريات الأمور العامة، فقد كانت أنشطة الشهيد سلسلة متصلة الحلقات من الكفاح والجهاد لخدمة المسلمين في خارج القطر، وبثّ روح الأخوة بين طائفتي المسلمين والأديان الاخرى، فإن الانقسام الحادث في الأمة هي المشكلة الأولى التي تؤرق كل مسلم مخلص وعالم غيور على أمته. وكان الشهيد الراحل يشاطر أخاه الشهيد السيد محمد تقي في إدارة شؤون مرجعية والده من الثمانينات، ولذلك نصّ الإمام الخوئي (قدس سره) على أن الشهيد الراحل يلي أخاه في تولي وإدارة الموقوفات، وقد كان مؤمناً وواثقاً بجدارة الشهيد السيد عبد المجيد وكفاءته لتولي هذا المنصب.
shahid

العمل المؤسساتي

بعد أن أضطر الفقيد إلى مغادرة العراق سنة 1991م من مشاركته الفعالة في الانتفاضة الشعبانية المباركة حيث كان من القادة ووكيل عن والده المرجع السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي حيث القى كلمة المرجع في الصحن الحسيني الشريف، أناخ رحله في لندن ليبدأ نشاطه نائبا للأمين العام لمؤسسة الإمام الخوئي الخيرية، وفي سنة 1994م تسلّم الأمانة العامة بعد استشهاد أخيه السيد محمد تقي أمينها العام الأول. ومن هنا فقد عمل الفقيد بجد وشعور عال بالمسؤولية على إشاعة المحبة والتفاهم بين المسلمين للتقريب بين المذاهب الإسلامية، فنظم وشارك في الندوات والمؤتمرات، وبذلك أستطاع تحقيق الكثير من الخطوات العملية، لإيجاد أرضية للتفاهم بين أطراف الأمة الإسلامية لغرض الدفاع عن قضاياهم بصورة جماعية.

طموحاته ورؤاه الفكرية

كان طموح الشهيد الفقيد في توسيع دائرة عمل المؤسسة عالمياً، بالتوجه إلى المسلمين وقياداتهم من المذاهب الإسلامية كافة، ينسجم مع رؤيته الموضوعية والعملية للشريعة الإسلامية، فهو القائل في معرض حديثه عن الاجتهاد: (... لا حياة ولا بقاء لشرع لا يمكنه تلبية حاجات معتنقيه بما يتماشى مع تجدد العصور وتجدد الواقع والحوادث، وبخاصة ما نراه في عصرنا الحالي من سرعة التحرك والنمو في مجالات الحياة المختلفة...). ويؤمن أن مهمة إبقاء الشرع نافذاً ومؤثراً تقع على عاتق العلماء، لذلك فهو رحمه الله يرى أنهم يتحملون مسؤولية كبيرة. وتقديراً منه لدور العلماء في تطوير واقعهم وتصحيح بعض ما ترسخ في قناعات المسلمين من تراكمات ضارة أملتها مسلّمات تاريخية، نجده مختلفاً عما ألفناه من استرجاع وتمجيد مطلق للماضي، ففي حديث له لصحيفة الشرق الأوسط، يقول: (... لم يكن التاريخ في أي يوم من الأيام مصدراً للتشريع الإسلامي، ولم يكن هو الحكم للخلافات وإنما على العكس، أن معظم خلافات المسلمين هي بسبب تاريخهم...). وهذا ما دعاه إلى التركيز على الحاضر والاهتمام بتوسيع الأفق الثقافي للمسلمين، عن طريق التعريف بالتشيع والتبليغ الديني بين الشيعة والسنة في أطار خطة مدروسة للتقريب بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة.

الحوار بين الاديان

ولم يكن طموح الشهيد يتوقف عند هذا الحد، فإن من أهم القضايا التي تشغل عقول الصفوة من العلماء والمفكرين، وتستقطب اهتمام المشتغلين بالدراسات المستقبلية، والمهتمين بإقامة حوار الحضارات على جميع مستوياته، قضية التعايش بين الأديان، بما تطرحه من مسائل تتشعب عنها، وبما تفرضه من تحديات تتخطى في معظمها النطاق الحضاري والديني والثقافي إلى مجالات من الفكر والرأي والعمل أوسع، ومساحات من ردود الفعل أرحب. ولما كانت قضية التعايش بين الأديان بهذا القدر من التأثير في الواقع الإنساني لزم أن يكون للفكر الإسلامي موقف محدد إزاءها يستند إلى رأي حصيف بشأنها يجلي الحقائق ويحدد المعالم بعد أن يزيل الشبهات ودحضها ويفند المغالطات ويبطلها. ومن هنا دعا الشهيد وشارك في ندوات واجتماعات عالمية ضمّت أتباع الديانات السماوية الثلاث وغيرها من أجل تقريب وجهات النظر وتعاون أتباع هذه الديانات خدمة للبشرية جمعاء. كل ذلك يدل على سعة صدر، وعظمة همّة، وشموخ فكره.

دوره في التقريب بين المذاهب

وبهذه الروحية بدأت مؤسسة الإمام الخوئي(قدس) الخيرية في إعداد الدراسات والمشاركة في الندوات والمؤتمرات، وبادرت إلى التنسيق مع المؤسسات والمراكز الإسلامية، وبشكل خاص مع مؤسسة (آل البيت) المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن، حيث جرى تعاون وثيق بينهما لإقامة ندوات الحوار بين المسلمين والعمل المشترك في مجال التقريب بين وجهات نظر العلماء من المذاهب السبعة (الشيعة الإمامية، والزيدية والحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية والإباضية). وهكذا عقدت ثلاث ندوات في عمَّان في هذا الشأن، والرابعة كانت في لندن، أما الندوة الخامسة فكانت في الرباط بالمغرب، وبرعاية المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيكو)، والندوة السادسة استضافتها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عمان. ونجحت المؤسسة بفضل السياسة الواعية والمنفتحة للشهيد السيد الخوئي رحمه الله، في إقامة أفضل العلاقات مع الأزهر الشريف، ما دعا الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي إلى زيارتها واللقاء بالعلماء والمثقفين الشيعة في لندن، وقد أحيط بحفاوة كبيرة في أول زيارة رسمية له لمؤسسة شيعية، وكانت مناسبة لبدء تعاون معتبر مع أهم المؤسسات الشرعية الإسلامية في العالم وأقدمها. ومثل ذلك حصل مع منظمة الإيسيكو حيث تم التوقيع على برنامج عمل ثقافي وتربوي ديني، أمده ثلاثة سنوات. ونظراً لنجاح جهود السيد الشهيد عبد المجيد الخوئي وزملائه في تطوير العلاقات مع العلماء المسلمين فقد استطاعت المؤسسة أن تنظم ندوة موسعة للتقريب بين المذاهب، عقدتها في دمشق في نيسان ـ ابريل ـ من العام 1999 وكانت بعنوان: (اجتماع دولي لوضع استراتيجية مشتركة للتقريب بين المذاهب الإسلامية السبعة). وفي هذا الملتقى، أجتمع ممثلون عن مؤسسات إسلامية مهمة كالأزهر الشريف ورابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة ومؤسسة آل البيت في الأردن ودار الحديث الحسنية في المغرب ودور الإفتاء في كل من: سلطنة عمان وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان والمعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن والإيسيكو وأكاديمية المجمع العلمي الإيراني، وأكاديمية اوكسفورد للدراسات العليا ومركز بدر العلمي في صنعاء... بالإضافة إلى علماء وباحثين من أنحاء العالم الإسلامي.
shahid

من قوله بعد استشهاد اخيه السيد محمدتقي

أخي الراحل...

أعاهد الله واعاهدك على السير في الدرب الذي رسمه لنا الوالد المعظم، درب ابائه واجداده، الذي سار وفسرت عليه، نصرة الحق او الشهادة. فلن أنثني حتى النصر والانتقام من أعداء الامة والانسانية، أو ألحق بكم ملطخا بدمي فالقى الله وجدي رسول الله وأئمتنا الهداة واشتكي اليهم ما جرى علينا. وليعلم الظالمون ان دمك لن يذهب هدراً والله على انتقامه لعزيز قدير.

...والعاقبة للمتقين

استشهاده

لم يغب عن ذهن الشهيد هموم وقضية الشعب العراقي، فكان يتفاعل من كل جهد مخلص لرفع المعاناة عن هذا الشعب المظلوم، فلم يأل جهداً في أغاثتهم والسعي الحثيث في إطلاق سراح سجنائهم، والعمل الدؤوب في سبيل تحرير العراق من براثن النظام الإجرامي البائد. وعندما بدأت حرب الحلفاء وعملياتهم العسكرية في العراق رأى من الضروري أن يتواجد على أرض الوطن في مراحل مبكرة من الحرب للحيلولة دون انتهاك حرمة مدينة النجف الأشرف والمساهمة في استتباب الأمن وحقن الدماء والمحافظة على حقوق المواطنين فيها، وإغاثة سكانها وتوفير المستلزمات الحياتية لهم، هذا والوضع الأمني لم يستتب بعد، وهناك الكثير من أصحاب النفوس الضعيفة والمجرمين الذين تربوا على أيدي النظام الدموي الزائل، فكان ما كان. لقد ظهر الحقد الدفين جلياً واضحاً في يوم الخميس 7 من شهر صفر الخير سنة 1424هـ الموافق 10 نيسان 2003، حيث قامت مجموعة من الأراذل والأوباش بطعن الفقيد بالسكاكين والسيوف والخناجر حتى الموت، وكان هناك من يمكنه ردعهم وإيواؤه وحمايته، وقد أدت تلك الطعنات إلى استشهاده. ان الذين قاموا بهذا العمل البشع لا شك أنهم مجرمون وقتلة، والذين توانوا وتهاونوا في الحفاظ على حياة الفقيد كشفوا عن سوء سريرتهم وخبث نفوسهم. ان السيد الشهيد عبد المجيد الخوئي الذي كان همّه التآلف بين المسلمين، بل بينهم وبين غيرهم أيضاً، وحب الخير لكل الناس، لم يكن موضع قبول المنافقين والفاسقين، فكادوا له كيداً حتى استشهد في صحن جده امير المؤمنين (ع) وهو حزين على شعبه. لقد استشهد عن عمر يناهز الأربعين، ودفن في النجف الأشرف بجنب والده وأخيه في الصحن العلوي الشريف في الحجرة الواقعة بينه وبين مسجد الخضراء. فرحم الله الشهيد يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

تعازي وأصداء

وما ان انتشر خبر استشهاده حتى اختلطت الفرحة باللوعة، فرحة زوال النظام الدكتاتوري ولوعة فقدان إنسان مؤمن مخلص متفان في سبيل قضيته، فكان ذلك اليوم بحق يوماً حزيناً وكئيباً. وقد أقيمت لـه مجالس تأبينيه حافلة في أماكن عديدة، وأبّنه الكثير من العلماء والرؤساء والمسؤولين والمثقفين والسياسيين وغيرهم، نظراً لشخصية الفقيد الشهيد التي كانت تمتاز بقوة الابتكار وعمق التفكير وتوقد الذهن ودقة الإحساس وحدّة النظر، فكان موضع ثناء الجميع، ورثاه البعض الآخر بأبيات معبرة عن شدة الفاجعة وأليم الصدمة.
spacer
shahid