227 / Font -- Reset Font ++
مدارس الاجتهاد
مقدمة المؤلف
مقدمة الكتاب‏
حكم العقل بلزوم كون العبد في مقام العبودية والامتثال وتحصيل القطع بحجية قول الغير
لزوم القطع بالمؤمن من العقاب الوجوب التخييري بين الاجتهاد والتقليد والاحتياط أي وجوب؟
الصحيح أن الوجوب التخييري بين الامور الثلاثة عقلى‏
فصل الاجتهاد
تحديد الاجتهاد عند الخاصة والعامة
ما يتوقف عليه الاجتهاد
الاحتياج الى علم الرجال في
الاجتهاد
المجتهد المطلق غير المستنبط
هل الاقتدار على الاستنباط قابل للتجزئة؟
التصويب الاشعري والمعتزلى‏
التفصيل في وقوع التخطئة في الاحكام الشرعية
تبدل الرأى بالعلم الوجدانى او بحجة معتبرة شرعية
ملخص تفصيل صاحب العروة في المسألة الثالثة والخمسين وردّه‏
مجمل أدلة القائل بالاجزاء
مقتضى القاعدة عدم الاجزاء إلا في الصلاة.
فصل التقليد
تعريف التقليد والاشارة الى ما يستفاد من صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج البجلى من معنى التقليد
لا يجب تعيين معنى التقليد من بين محتملاته.
لزوم استناد المقلد في التقليد الى البرهان القطعي.
أدلة حجية رأى المفتي على المستفتي.
أدلة حجية رأى المفتي على المستفتي.
شرائط مرجع التقليد
الشرط الاول الأعلمية
استقلال عقل العامي بوجوب تقليد الأعلم‏
جواز تقليد غير الأعلم بقول الأعلم‏
ما استدل به على الاعتماد بقول 2غير الاعلم‏
ما يثبت به تقليد غير الاعلم ومنعه‏
الوجوه القائمة على المنع من تقليد غير الاعلم‏
عدم وثاقة عمر بن حنظلة ويزيد بن خليفة
تقدم قول الاعلم لا قربيّته الى الواقع‏
نقد كلام شيخنا المحقق والكلام في فرض الشك‏
ما هو الحق في دوران الحجية بين التعيين والتخيير
ما حال التخيير بين رأى الأعلم وغيره بالاستصحاب؟
التفصيل في التخيير بين الطريقية والسببية
نقد كلام شيخنا المحقق(ره)
تتمة الايراد على ما أفاده شيخنا المحقق(ره)
نقد ما في مسألتي 21و 38من تقليد العروة
هل يجوز تقليد غير الاعلم مع الشك في التعارض؟
جواز تقليد المفضول مع الشك في المخالفة
حال فتوى المفضول كغيره حال احتمال المعارضة
بعض ما استدل به على جواز تقليد المفضول‏
تقليد احد المتساويين مع فرض المعارضة.
الترجيح بالأورعيّة وعدمه.
التبعيض في التقليد عن المجتهدين‏
جواز الرجوع الى غير الأعلم فيما لم يكن للاعلم فتوى‏
الشرط الثاني من شرائط مرجع التقليد:الحياة
عدم جواز تقليد الميت ابتداء
نقد رأى الاخباريين والميرزا القمي(ره)
ما استدل به على جواز تقليد الميت ابتداء
الاستدلال على جواز تقليد الميت ابتداء وردّه‏
النقد على ما أفاده صاحب الكفاية(ره)
أدلة عدم جواز تقليد الميت ابتداء
جواز البقاء على تقليد الميت‏
اعتبار العمل والتذكر في البقاء
صور التقليد الاستمرارى‏
صورة العلم بالموافقة بين الحي والميت‏
نقد كلام شيخنا الاستاد في لزوم الاستناد
التفصيل في الفرع العاشر من تقليد العروةغ
جواز البقاء وعدمه غير متفرع على معنى التقليد
إثبات حجية قول الميت بقوله لا يمكن‏
في مسألة جواز البقاء الاثر لفتوى الحي‏
لا يجوز البقاء اذا أفتى الحي بحرمته‏
التكلم حول الصور الاربعة من الصور التسعة
حجية فتاوى ميت بتوسط فتوى الميت‏
دفع ما قد يورد من اخذ الحكم في موضوعه‏
الخامسة والسادسة من الصور التسعة
السادسة والسابعة من الصور التسعة
الصورة الثامنة والتاسعة
الثالث من شرائط المرجع:الإطلاق‏
ما يستدل به على منع تقليد المتجزي‏
حول عدم جواز التقليد عن المتجزي‏
سالم بن مكرم أبو خديجة ثقة
جواز التقليد عن المتجزي‏
التحقيق حول معتبرة أبي خديجة
معلّى بن محمّد البصري ضعيف‏
اشتراط البلوغ في مرجع التقليد
اعتبار الرجولية والعقل في المرجع‏
اعتبار العدالة والايمان في المرجع‏
حول خبري علي بن سويد وأحمد بن حاتم‏
حول اعتبار الايمان في المرجع‏
اشتراط الحرية في المرجع‏
استنباط الحكم من الطرق المتعارفة وغيرها
جواز الرجوع الى المجتهد الانسدادي وعدمه‏
نقد كلام لصاحب الكفاية(ره)
الرجوع الى المفتى بعنوان أنه عالم بالاحكام‏
جواز تقليد المتكي على الاصول العملية
ما هي الوظيفة لو لم يوجد مرجع حي؟
الشرائط المعتبرة في المرجع هل هي حدوثي؟
العدالة ومزاياها
العدالة هي الاستقامة
الاستقامة ومنشأها
العدالة ومراتبها
العدالة والملكة
ما استدل به على انها الملكة وتزييفه‏
حول رواية ابن أبي يعفور
ابنا موسى ومحمد بن يحيى لم يوثقا
العدالة ليست عبارة عن الملكة
نقد كلام الشيخ الانصاري(ره)
العدالة وارتكاب الصغائر
الصغائر تخل بالعدالة
مرتكب الصغيرة فاسق‏
العدالة وخلاف المروة
ارتكاب خلاف المروة لا يضر بالعدالة
طرق اثبات العدالة
حسن الظاهر كاشف عن العدالة
حسن الظاهر لا تعتبر فيه المعاشرة
حسن الظاهر واحراز المأمونية والوثاقة
كفاية حسن الظاهر في اكتشاف العدالة
لزوم التّقليد حتى في المباحات‏
النظر الى المسألة 60 من مسائل تقليد العروة
حكم التقليد بغير ميزان شرعي‏
حكم الجاهل المقصر والقاصر
حديث لا تعاد يشمل الجاهل‏
نكتة دقيقة
مجرى قاعدة الفراغ‏
لزوم القضاء ومقداره‏
جواز الاقتصار على الاقل في القضاء
الاكتفاء بالاقل في قضاء الفوائت‏
مسألة العدول وصورها
ما استدل به على جواز العدول‏
أدلة المجوزين للعدول‏
الخدشة في استصحاب التخيير
معنى الحجية التخييرية
النقد على ما أفاده الشيخ الأعظم‏
العدول في فرض العلم بالمخالفة غير جائز
تقليد من يفتى بعدم جواز العدول‏
حكم الشك في صحة التقليد
صور الشك في صحة التقليد
الحال فيما كان الجاهل مشكوك الحال‏
من لا يعلم بالتقليد أو يشك فيه‏
احتمال ارتفاع الموازين عن المجتهد والقطع به‏
ما الذى يحتاج فيه الى التقليد؟
التقليد في التطبيقات والموضوعات المخترعة
التقليد في مبادئ الاستنباط
التقليد في مسائل اصول الفقه‏
تبدل الرأي ووجوب الاعلام‏
حول التقييد في التقليد
التقييد في الامور القصدية
التقييد في الامور التكوينية والاعتباريّة
التقييد في المعاملات ومتعلقاتها
ما معنى الاشتراط في المتعلق الجزئي؟
التقليد لا يقبل التقييد
ملاك الأعلمية في الحجية أقوى من الأورعية
الأورعية ليست بمرجحة
لا اعتبار بالأورعية في عالم الترجيح‏
المقبولة أجنبية عن التقديم بالأورعية
الرجوع الى أحوط الفتويين‏
حكم مفرّغ ذمة الميت‏
المتعاقدان لو اختلفا في الصحة والبطلان‏
الحكم الظاهري على الطريقية قابل للتفكيك‏
طرق معرفة فتوى المرجع‏
أدلة اعتبار تلك الطرق واختلافها
وقوع التعارض بين الفردين من الصنفين‏
تقدم السماع علي النقل وبالعكس‏
تعارض السماع والنقل مع الكتاب‏
الطريق المتاخر إمارة فعلية قاطع للاستصحاب‏
فصل الاحتياط
الاحتياط غير المخل بالنظام حسن بلا كلام‏
الاحتياط فيما لا يستلزم التكرار
الامتثال التفصيلي والاحتمالى في عرض واحد
جواز الامتثال الاجمالى‏
الاحتياط فيما اذا استلزم التكرار
الاحتياط وموارده‏
يجب الاجتهاد او التقليد في جواز الاحتياط
ما حال الجاهل التارك للاحتياط والتقليد؟
حال المقصر الملتفت وغيره‏
الطريق الى الواقع هو رأى المجتهد الحاضر
عمل المقصر الملتفت وغير الملتفت‏
الفرق بين الاستناد الى الأصل اللفظي والعملي‏
الفرق بين التكليفيات والوضعيات على السببية
لا اجزاء في التكليفيات على السببية الامامية
تقريب ما أفاده شيخنا المحقق في الاجزاء
الاعتراض على القول بالاجزاء
الاجزاء ودليل الحرج والاجماع‏
عقاب الجاهل التارك للاحتياط والتقليد
وجوب التعلم قبل الوقت‏
وجوب التعلم طريقي لا نفسي‏
المتمكن من التعلم أو الاحتياط في الوقت‏
تارك التعلم فاسق‏
ما وجه كون تارك التعلم فاسقا؟
الخارج عن جادة الشرع فاسق‏
حديث لا تعاد لا يشمل المتردد في عمله‏
فصل القضاء
ما استدل به على ثبوت الولاية العامة
عدم ثبوت الولاية العامة للفقيه‏
المقايسة بين القضاة الخاصة والعامة
المناقشة في المقايسة
لا بدية التصرف في الحوائج لا تستلزم ثبوت الولاية
ثبوت الولاية للفقيه في الامور الحسبية
اعتبار الاعلمية في المباشر في الامور الحسبية
اعتبار الاعلمية في القاضي‏
غير الفقيه لا يطلق عليه العارف والعالم‏
جواز الترافع الى غير الاعلم‏
بين الاعلم والافضل عموم من وجه‏
احتجاج الجواد(ع)مع عمه عبد اللّه‏
روايتا الاختصاص وعيون المعجزات‏
عدم اعتبار الاعلمية في القاضي‏
يترافع الى غير الاعلم الا في الاختلاف في الحكم‏
تعيين القاضي بيد المدعي‏
اقتراح المعجزة بيد مدعي النبوة
وجوب اجابة الحاكم على المنكر
حرمة القضاء على من ليس بأهل‏
حرمة القضاء على غير الفقيه‏
حرمة القضاء على فقيه فاقد الميزان‏
التفصيل فيما لم يكن الفقيه أهلا للقضاوة
القاضي غير الاهل شقي لا ينفذ حكمه‏
المال المأخوذ بحكم القاضي الجائر
حكومة دليل لا ضرر على الادلة المانعة
الفهرست
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م1  
الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد والإحتياط والقضاء تقريرات الدراسات الاصولية العليا لاستاذنا آية الله العظمى المرجع الاعلى السيد ابوالقاسم الخوئي بقلم الشيخ ميرزا غلامرضا عرفانيان اليزدي الخراساني
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م2  
هوية الكتاب الكتاب: الرأى السديد في الاجتهاد والتقليد المؤلف: الميرزا غلامرضا عرفانيان اليزدي الخراساني الناشر: المؤلف الطبعة: الثانية التاريخ: شوال المكرم 1411 الطبعة: العلمية-قم
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م3  
تقديم وتمهيد مدارس الاجتهاد في الفقه الاسلامي بقلم العلامة الجليل الشيخ محمد مهدى الآصفى‏
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م4  
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏
الحمد للّه رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين. بين يدى رسالة فى (الاجتهاد والتقليد) هى نتيجة ما تلقاه مؤلفه العلامة من محاضرات استاذ الجيل الجليل، زعيم الحوزة العلمية، استاذنا المحقق سماحة الامام آية اللّه العظمى السيد ابو القاسم الخوئى دام ظله العالى. والكتاب حلقة من سلسلة من دراسات فى الفقه والاصول والتفسير وعلم الرجال حاضر عنها استاذنا الكبير فى الدورات العالية من الدراسة فى النجف الاشرف منذ اكثر من ثلاثة عقود من الزمان، وسجلها عنه اقلام الباحثين من طلابه الذين حضروا محاضراته فى هذه الفترة من الزمن. وقد قدر لبعض هذه الدراسات فى الفقه والاصول ان تصدر، وتحتل مكانها من المكتبة الاسلامية ... اما القسم الاكبر فلا يزال مخطوطا عند اصحابها، تنتظر الفرصة للظهور. وكان آخر ما صدر من هذه السلسلة هذا الكتاب الذى بين يدينا للاخ الفاضل العلامة الشيخ ميرزا غلام رضا عرفانيان حفظه اللّه، وهى رسالة فى الاجتهاد والتقليد سجل فيها ما تلقاه من استاذنا الجليل دام ظله فى الاجتهاد والتقليد فى بحث الاصول‏
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م5  
كما تعرض فيها، تبعا للنهج الذى كان يجرى عليه سيدنا الاستاذ، لكثير من مسائل كتاب (العروة الوثقى) فى هذا الباب. وقد طلب الىّ المؤلف حفظه اللّه أن اقدم لكتابه هذا، بعد أن اتاح اللّه له فرصة الظهور، بما يتناسب وطبيعة ابحاث هذا الكتاب ويعين القارئ على الدخول فى مباحث الكتاب، ويلقى أضواء على حقيقة الاجتهاد، والمراحل التى قطعها خلال التاريخ الاسلامى. وقد سرنى ان استجيب لهذا الطلب الكريم، وأن أتحدث وأؤرخ باحثا وناقدا، للمدارس التى ظهرت فى (الاجتهاد) منذ عصر الصحابة الى الوقت الحاضر فى حدود ما يتسع له صدر هذا الحديث، وأن أؤرخ فى نفس الوقت لمصادر التشريع والعوامل التى تدخلت فى اضافة مصدر جديد الى هذه المصادر، واقصاء مصدر قديم. والمنهج الذى نحاول ان نسير عليه فى هذا البحث هو عرض كبريات هذه المدارس التى ظهرت خلال التأريخ الاسلامى عرضا موضوعيا، تمهيدا للبحث عن المدرسة التى تبنتها الشيعة فى الاجتهاد، وموقع هذه المدرسة من مدارس الاجتهاد الاسلامى.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م6  

مدارس الاجتهاد فى الفقه الاسلامى‏

لا يستطيع الباحث ان يلم بتاريخ الاجتهاد فى الفقه الاسلامى. ويتعرف على العوامل والمؤثرات التى أدّت الى تطويره وتغييره من شكله وصياغته الاولى ايام الصحابة والتابعين الى شكله الحاضر ... دون ان يتعرف على المدارس التى ظهرت فى الاجتهاد، على امتداد تاريخ الفقه الاسلامى، وما تركته من آثار فى فى الفقه الاسلامى من الناحية الصياغية والاستنباطية. ولذلك فان عرض هذه المدارس على صعيد البحث العلمى عرضا موضوعيا ونقد الاتجاهات التى ظهرت خلال التاريخ الاسلامى يسهل لنا مهمتنا كثيرا كمؤرخين وباحثين فى الفقه الإسلامى فى معرفة تاريخ هذا الفقه ومراحل تطوره وتدرجه من ايامه الاولى الى الوقت الحاضر. ومن جهة ثانية لا يستغنى الباحث عن تاريخ مدرسة فقهية بالذات وتطوره ضمن المراحل الزمنية ... ان يدرس المدارس الفقهية التى كانت تعاصر هذه المدرسة والتى كانت تختلف عنها فى الاتجاه اختلافا كليّا او اختلافا يسيرا ... حتى يتضح موقع المدرسة المقصودة بالبحث من سائر المدارس، وما جددت هذه المدرسة فى تاريخ الفقه الاسلامى من جديد فى عالم الاجتهاد والفقاهة، وما قدمت من خدمة للفقهاء فى الاجتهاد والاستنباط وهذه المهمة الثنائية التى يتوقف تذليلها على دراسة
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م7  
مدارس الاجتهاد فى تاريخ الفقه الاسلامى هى التى حدت بنا الى هذه الدراسة الموجزة عن مدارس الاجتهاد فى الفقه الا، لعلنا نتعرف على تاريخ الفقه بصورة عامة اولا ثم نتعرف ثانيا على تاريخ الاجتهاد عند الشيعة الامامية وعلى موقف هذا الفقه عن سائر المدارس الفقهية التى عاصرتها، والتى كانت تختلف عنه فى الاجتهاد اختلافا كثيرا او يسيرا، وذلك من خلال استعراض سريع لكبريات المدارس التى ظهرت خلال التاريخ الاسلامى، تمهيدا للبحث عن المدرسة التى تبنتها الشيعة فى الاجتهاد وموقع هذه المدرسة من مدارس الاجتهاد الاسلامى.

1- مدرسة الراى‏

لم يمض وقت طويل على وفاة النبى صلّى اللّه عليه وآله حتى ظهر اتجاه جديد فى الحكم والقضاء بين المسلمين عرف فيما بعد ب (الرأى) وكان له الاثر البعيد فى تاريخ الحياة العقلية الاسلامية. وذلك ان الحياة الاجتماعية تطورت سريعا بالمسلمين وواجه المسلمون وسيما القائمون بالحكم منهم حاجات جديدة ومسائل جديدة لم تعرض لهم من قبل ايام النبى صلّى اللّه عليه وآله ولم يجدوا فيما بين ايديهم من النصوص التى يحفظونها عن النبى صلّى اللّه عليه وآله ما ينص على حكم ذلك. وكان النبى صلّى اللّه عليه وآله قد اعد لهذه الحالة من قبل وجعل اهل البيت عليه السّلام عدلا للكتاب الكريم وكلف الامة بالرجوع اليهم فيما يهمهم من شئون الدنيا والآخرة فى حديث الثقلين المستفيض، وفى اكثر من موقف. إلّا ان هذا الذى اراده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لم يتحقق فى حياة المسلمين الا على صعيد محدود وازاحت العوامل السياسية اهل البيت عليه السّلام عن موقعهم الذى جعله اللّه تعالى لهم فى الامامة والفتوى فى حياة المسلمين. فلم يجد المسلمون، او المعنيون بشئون الحكم والفتوى منهم غير الالتجاء الى (الرأى) فيما لا نص فيه من المسائل التى تطرأ فى حياتهم.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م8  
وفى ذلك يقول الشهرستانى: انا (نعلم قطعا ان الحوادث والوقائع فى العبادات والتصرفات مما لا يقبل الحصر والعد، ونعلم قطعا انه لم يرد فى كل حادثة نص ولا يتصور ذلك ايضا، والنصوص اذا كانت متناهية وما لا يتناهى لا يضبط ما يتناهى علم قطعا ان الاجتهاد والقياس، واجب الاعتبار حتى يكون بصدر كل حادثة اجتهاد(1) الرأى: ولا نعرف على التحديد ما يراد من الرأى فى كلمات الفقهاء فهل المقصود منه هو المعنى اللغوى، ام الرأى الشخصى، ام القياس والاستحسان ام غير ذلك ... فقد عرفه ابن القيم بقوله (ما يراه القلب بعد فكر وتامل وطلب لمعرفة وجه الصواب)(2) وعرفه غيره بالقياس أو الاستحسان او غير ذلك. كما عرفه آخرون بالذوق الشخصى والنظر(3). ومهما يكن من امر فقد شاع استعمال هذه الكلمة والالتجاء اليها بعد وفاة النبى صلّى اللّه عليه وآله بشكل واسع، وذلك كقول عمر بن الخطاب لكاتبه: قل هذا ما رأى عمر بن الخطاب، وقول عثمان بن عفان فى الامر بافراد العمرة عن الحج: انما هو رأى رأيته، ووصية عمر لشريح حينما بعثه قاضيا (ما وجدته فى كتاب اللّه فلا تسأل عنه احدا، وما لم تستبن فى كتاب اللّه فالزم السنة وان لم يكن فى السنة فاجتهد رأيك)(4) والمعروف ان عمر بن الخطاب كان من اكثر الناس تحمسا لمذهب (الرأى) ودعوة اليه. على ان من الحق ان نقول ان كلمة الراى لم تحدد تحديدا فنيا دقيقا فى هذا العهد، ولم يقصد غالبا من استعمال الكلمة فى هذا الصدد معنى دقيقا محددا
_______________________________
(1) سلم الوصول ص 295. (2) تاريخ التشريع الاسلامى 94. (3) راجع احمد امين. (4) نظرة عامة فى تاريخ الفقه الاسلامى على حسن عبد القادر ص 215
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م9  
كما يراد به من بعد، فى العهد العباسى، وبعده، حيث ازدهرت مدرسة الرأى فى العراق، حتى بلغت ذروتها على يد أبي حنيفة واتباعه، فى قبال الحجاز التى كانت تفضّل ان تظل محافظة على المأثور من الحديث واجتهادات الصحابة والتابعين من بعدهم. ادلة القائلين بالرأى. وهذه الادلة كثيرة تكفى ان نشير الى بعضها ونناقشها ليقف القارى على نوعية الادلة والحجج التى يحتج بها ذو والرأى على صحة مذهبهم. فمن ذلك ما ذكروه من ان اللّه عزّ وجل امر بانفاذ الحكم بالشاهدين واليمين وانما هذا غلبة الظن، اذ قد يكون الشهود كذبة او مغفلين وتكون اليمين كاذبة(1) واورد عليهم ابن حزم فى رسالته (ابطال القياس) بقوله: (واما ما ذكروه من الامر بالحكم بالشهود واليمين، ولعل الشهود كاذبون او مغفلون، واليمين كاذبة، وان هذا انما هو على غلبة الظن بل ما يحكم من ذلك إلّا بيقين الحق الذى امرنا اللّه به: لا يمترى فى ذلك مسلم، ولم يكلّفنا اللّه تعالى مراعات الشهود فى الكذب والصدق ولا معرفة كذب اليمين او صدقها فلو كان هذا غلبة الظن، واعوذ باللّه من ذلك لكنا اذا اختصم الينا مسلم فاضل، بر، تقى عدل ونصرانى مثلث مشهور بالكذب على اللّه وعلى الناس، خليع ماجن، فادعى المسلم عليه دينا، قل او كثر فأنكر النصرانى، او ادعى النصرانى وانكر المسلم بدعواه لانه فى اغلب الظن الذى يناطح اليقين هو الصادق والنصرانى هو الكاذب لكن لا خلاف فى اننا لا نفعل ذلك، بل نحكم بيقين، أمر اللّه تعالى بالبينة العادلة عندنا او بيمين المدعى عليه ونطرح الظن جملة(2)
_______________________________
(1) نظرة فى تاريخ الفقه الاسلامى: 213 (2) ابطال القياس لابن حزم وراجع ايضا (الاحكام فى اصول الاحكام) ج 7 ص 53 وما بعدها.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م10  
واستدل له ايضا بحديث معاذ الذى رواه احمد وابو داود والترمذى وغيرهم. قال: (لما بعثه صلّى اللّه عليه وآله الى اليمن قال: كيف تقضى اذا عرض لك قضاء؟ قال اقضى بكتاب اللّه قال: فان لم تجد فى كتاب اللّه؟ قال: فبسنة رسول اللّه: قال فان لم تجد فى سنة رسول اللّه ولا فى كتاب اللّه؟ قال: اجتهد رأيى ولا آلو. قال: فضرب رسول اللّه صدره، وقال: الحمد للّه الذى وفق رسول اللّه لما يرضاه رسول اللّه)(1) والحديث صريح فى اقرار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لمعاذ فى استعمال الرأى فيما اذا لم يجد نصا فى الكتاب او السنة لما عرض له من الامر. إلّا ان هذا الحديث لم يصح عن النبى بطريق معتبر، وقد اورده الجوزقانى فى الموضوعات، ولم يجد له طريقا معتبرا. وشك باحثون آخرون فى صحة اسناد هذا الحديث الى النبى صلّى اللّه عليه وآله من حيث المتن، حيث اشتملت الرواية على اصطلاحات دقيقة تعتبر وليدة عصر ما بعد الصحابة وهذا ما دعاهم الى التشكك فى قيمة اسناد هذه الرواية الى النبى صلّى اللّه عليه وآله‏(2).

موقف اصحاب الراى من الشريعة

ومهما تكن قيمة الادلة التى يعرضها اصحاب الراى للاخذ بالراى فى مجال الحكم والإفتاء .... فان مدرسة الراى تميزت منذ أول يوم، بعد وفاة النبى بشى‏ء كثير من الجرأة فى اعطاء الحكم والفتوى لم توجد فى غير هذه المدرسة. ونماذج ذلك كثيرة فيما استحدثه الخليفة الثانى مما لم يكن للمسلمين به عهد ايام النبى صلّى اللّه عليه وآله وايام ابى بكر من تحريم المتعتين وجمع الناس على اقامة صلاة التراويح جماعة ومنع سهم المؤلفة قلوبهم وغير ذلك من الموارد التى استحدثها
_______________________________
(1) ارشاد الفحول للشوكانى. ص 202 (2) انظر كولد تسيهر.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م11  
الخليفة اعتمادا على رأيه الخاص‏(1).

موقف اصحاب الراى من السنة

كما ان مدرسة الراى تميزت منذ اول يوم بعدم الاهتمام بالسنة والاكتفاء بالراى عن السنة وهذه ظاهرة تتميز بها هذه المدرسة، ولا يصعب على الباحث ان يلمس ملامح منها خلال هذه الفترة التى نمت فيها مدرسة الراى، على ان يلحظ فى التماس ذلك تدرج المرحلة التى قطعتها هذه المدرسة حتى بلغت ذروتها على يد ابى حنيفة واتباعه. واول ما يلفت النظر قول الخليفة الثانى بمحضر من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ساعة وفاته: حينما طلب اليهم ان يحضروا له كتفا ودواة ليكتب لهم ما لا يضلوا من بعده ابدا فقال عمر بن الخطاب: ان النبى قد غلب عليه الوجع، وعند كم القرآن، حسبنا كتاب اللّه‏(2). وروى عن ابى بكر انه جمع الناس بعد وفاة النبى فقال: (انكم تحدثون عن رسول اللّه احاديث تختلفون فيها والناس بعدكم اشد اختلافا فلا تحدثوا عن رسول اللّه شيئا فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب اللّه فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه‏(3). وروى عبد اللّه بن العلاء قال: سالت القاسم بن محمد ان يملى علىّ أحاديث فقال: ان الاحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فانشد الناس ان ياتوه بها، فلما اتوه بها امر بتحريقها ثم قال: مثناة كمثناة اهل الكتاب‏(4).
_______________________________
(1) يحسن لم يريد تفصيلا اكثر، أن يراجع الغدير للشيخ الامينى والنص والاجتهاد للسيد عبد الحسين شرف الدين. (2) راجع صحيح البخارى ج 1 وج 4 ورواه احمد فى مسنده ج 1 ص 325. (3) تاريخ التشريع الاسلامى: 91-92. (4) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 5 ص 140.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م12  
وروى عن عمر انه قال لمن سيرهم الى العراق: (انكم تأتون اهل قرية لهم دوىّ بالقرآن كدوىّ النحل، فلا تصدوهم بالاحاديث فتشغلوهم، جردوا القرآن واقلوا الرواية عن رسول اللّه وانا شريككم‏(1). وروى انه حبس ثلاثة من الصحابة لانهم أكثروا من الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله‏(2). وقد كان عمر بن الخطاب يعارض تدوين الحديث اشد المعارضة وقد استشار فيه اصحاب رسول اللّه فاشار عليه عامتهم بذلك فلبث شهرا يستخير اللّه فى ذلك شاكا فيه ثم اصبح يوما فقال: (انى كنت ذكرت لكم من كتابة السنن ما قد علمتم ثم تذكرت فاذا اناس من اهل الكتاب من قبلكم قد كتبوا مع كتاب اللّه كتبا فاكبوا عليها وتركوا كتاب اللّه وانى واللّه لا البس كتاب اللّه بشى‏ء(3). ومن مثل ذلك يستطيع الباحث ان يجمع مجموعة من الشواهد على هذه الحالة التى تتميز بها مدرسة الراى بالنسبة الى رواية الحديث. ومظاهر ذلك تختلف باختلاف المواقف والاشخاص. فتارة يشفق عمر على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ان يكتب لهم كتابا وهو يتوجع من المرض. وتارة يعتبر فى القرآن كفاية فيما يهمهم من شئون الحكم. وتارة يحرق ما ياتوه به من الحديث. لان جمع الحديث يشبه عمل اهل الكتاب. وتارة يحسب ان ذلك يصدهم عن تلاوة القرآن والعناية به وحينا يحبس جمعا
_______________________________
(1) تاريخ التشريع الاسلامى ص 92. (2) طبقات الحفاظ للذهبى ج 1 ص 7. (3) راجع مقدمة اللمعة الدمشقية: محمد مهدى الآصفى ص 28 وتاريخ التشريع الاسلامى ص 92.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م13  
من الصحابة، لانهم يكثرون الحديث عن رسول اللّه دون ان يتهمهم بالكذب على رسول اللّه. وتارة يحتج ابو بكر على ذلك بان نقل الحديث يسبّب اختلافا وانشقاقا بين صفوف الامة فيمنع منه. هذا ولا نريد ان نقف هنا اكثر من هذه الوقفة، ولا نريد ان نعقب كثيرا على هذه النقطة من البحث ... وانما نحب ان نستمر فى عرض نماذج من هذا الاعراض فى العصور المتأخرة عن هذا العصر، ونمعن فى التماس شواهد على هذا الموقف بعد ما بلغت مدرسة الراى ذروتها على يد ابى حنيفة واتباعه. واول ما يجد الباحث فى تاريخ ابى حنيفة من مؤاخذات عليه انه كان قليل العناية بالحديث. فلم يصح لديه اكثر من سبعة عشر حديثا. كما يقول ابن خلدون‏ «1» كما انه كان كثير الاعتداد برأيه حتى فى قبال الحديث. (حدث ابو صالح الغراء: قال: سمعت يوسف بن اسباط يقول: ردّ ابو حنيفة على رسول اللّه أربعمائة حديث او أكثر. قلت له: يا أبا محمد تعرفها قال: نعم، قلت اخبرنى بشى‏ء منها فقال: قال رسول اللّه (للفرس سهمان وللرجل سهم) قال ابو حنيفة انا لا اجعل سهم بهيمة اكثر من سهم المؤمن، واشعر رسول اللّه واصحابه البدن وقال ابو حنيفة الاشعار مثلة، وقال صلّى اللّه عليه وآله (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) وقال ابو حنيفة (اذا وجب البيع فلا خيار) وكان النبى يقرع بين نسائه اذا اراد ان يخرج فى سفر واقرع اصحابه وقال ابو حنيفة: القرعة قمار «2» . وهكذا وبمزيد من التتبع والتماس الشواهد، يلمس القارى ان هذه الظاهرة
_______________________________
(1) المقدمة لابن خلدون ص 371. ونحن نشك فى هذه النسبة لكنها تكشف اتجاها وطريقة متميزة فى فقه المذهب الحنفى ومدرسة ابى حنيفة امام هذا المذهب. (2) تاريخ بغداد ج 14 ص 390.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م14  
تساير هذه المدرسة ظهورا واتساعا، حتى تبلغ ذروته فى عهد ابى حنيفة، الذى بلغت فيه مدرسة الراى قمّتها.

موقف اهل البيت عليهم السّلام من مدرسة الراى‏

ولا نحتاج الى كثير من الجهد والبحث لنلمس موقف اهل البيت عليه السّلام من مدرسة الراى فى الاجتهاد. فقد وجد اهل البيت فى هذه المدرسة شيئا كثيرا من الجرأة على الفتوى واستنباط احكام اللّه تعالى، كما وجدوا فيها تهاونا بالسنة والحديث ولذلك وقف أئمة اهل البيت عليه السّلام منذ اول يوم موفق المعارض من مدرسة الراى فى الاجتهاد، وابدوا رايهم فى هذه المدرسة فى كثير من المناسبات دون ان يفرقوا بين اقسام الراى عن قياس، او استحسان واستصلاح وغير ذلك من وجوه الراى التى لا تستند على دليل معتبر من ناحية الشريعة. يقول ابن جميع: (دخلت على جعفر بن محمد انا وابن ابى ليلى، وابو حنيفة فقال لابن ابى ليلى: من هذا معك؟ قال هذا رجل له بصر ونفاذ فى امر الدين قال: لعله يقيس امر الدين برأيه؟ قلت: نعم، فقال جعفر لابى حنيفة ما اسمك؟ قال: نعمان. فقال: يا نعمان حدثنى ابى عن جدى ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: اول من قاس امر الدين برأيه ابليس. قال اللّه تعالى له: اسجد لآدم. فقال‏ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ* فمن قاس الدين برأيه قرنه اللّه تعالى يوم القيامة بابليس لانه اتبعه بالقياس). وزاد ابن شبرمة فى حديثه. ثم قال جعفر، : (ايهما اعظم قتل النفس او الزنا؟ قال: قتل النفس. قال فان اللّه عزّ وجل قبل فى قتل النفس شاهدين، ولم يقبل فى الزنا الا اربعة. ثم قال: ايهما اعظم الصلاة ام الصوم؟ قال: الصلاة قال فما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة؟ فكيف ويحك يقوم لك قياسك، اتق اللّه ولا تقس الدين برأيك)(1)
_______________________________
(1) حلية الاولياء ح 3 ص 197. ط دار الكتاب العربى فى ترجمة الامام الصادق عليه السلام.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م15  
والاحاديث، نظير ذلك كثيرة عن أئمة اهل البيت عليهم السلام فى الردع عن اعمال الرأى والقياس والاستحسان. بهذا الشكل الذى لا يقوم عليه دليل من الشرع وقد افادت المعركة الفكرية التى خاضها اهل البيت عليهم السّلام ضد انصار الراى فى التخفيف من حدة سير هذه المدرسة، وفى ايجاد حركة معارضة لهذه المدرسة فى الاوساط الفكرية. وقتذاك كما مهدت لظهور مدارس معارضة لها فى الاتجاه كما سنرى ذلك فيما بعد.

2- مدرسة الحديث

‏ وفى قبال مدرسة الراى ظهرت مدرسة الحديث وتعصب ناس من الفقهاء لمدرسة الحديث. وكان مركز هذه المدرسة الحجاز، كما كان توسع مدرسة الراى فى العراق ففى الحجاز كان الفقهاء يعنون بحفظ الاحاديث والسنة والآثار وفتاوى الصحابة والتابعين، ويزهدون فى الراى وتجاوز المأثور من الحديث النبوى صلّى اللّه عليه وآله واقوال الصحابة ولو التابعين. اما العراق فكان يختلف امره عن الحجاز، فقد تعرض فيها الفقهاء لحاجات جديدة لم يكن لهم بها عهد، من قبل، مما ألجأهم الى الراى، وتجاوز حدود الحديث والماثور عن الصحابة والتابعين. ومهما يكن من شى‏ء فقد نشطت مدرسة الحديث فى الحجاز، فى مقابل مدرسة الراى بالعراق، وتعصب لها ناس كثير من الفقهاء واخذوا يدعون اليها فى الوقت الذى يشجبون فيه مدرسة الراى مما ساعد على توسع هذه المدرسة وتراجع اصحاب الراى عن موقفهم من الحديث ومن الرأى معا. (وذلك مثل ما حصل عند ابى حنيفة وتلامذته الاولين حيث اخذوا يخالفون طريقة استاذهم ابى حنيفة، ولم يبقوا اوفياء لها، فنجد مثلا محمد بن الحسن الشيبانى يرحل الى المدينة لأخذ الحديث، والف كتاب الآثار، واخذ ينزل من كلام‏
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م16  
استاذه واهل العراق على مقتضى الآثار ... وهكذا تطورت مدرسة الراى وتباعدت عن طريقها الاولى بازاء نهوض الحديث وجهود المحدثين فى هذا العصر(1). ولما حدثت فتنة خلق القرآن وقف المامون من اصحاب الحديث موقف المعارض فامتحنهم بالوان من التعذيب والبلاء وشدد فى مطاردتهم والتنكيل بهم فاثر ذلك كلّه فى بعد الشقة بين المدرستين، مدرسة الراى ومدرسة الحديث. وقد كان اهل الحديث ناس معتدلون ياخذون بالرأى ان كان هناك فى الحديث او فى الشريعة ما يؤيده ويامر بالاخذ به ويلغون الرأى ان لم يكن فى الحديث ما يشير الى الاخذ به. كما كان فى اهل الحديث متطرفون لا يقبلون للحديث بديلا فى الحكم والفتوى فيعرضون عن كل شي‏ء غير الكتاب والحديث. حتى وان اطمأن به العقل وصدقه وهؤلاء كانوا يلتقون فى الغالب مع الاشاعرة فى انكار العقل والاعراض عن اى شى‏ء ما عدا الحديث من عقل وراى. وبذلك قامت مدرسة الحديث فى قبال مدرسة الراى، كرد فعل لما حصل لهذه المدرسة من تطرف فى الاخذ بالراى، والاعراض عن الحديث. ولا نستطيع ان نضع حدودا دقيقة لهذه المدرسة فى قبال مدرسة الراى ونصنّف المدارس الفقهية القائمة فى وقته على اساس من هذه الحدود الى طائفتين ولكن من المؤكد أن مدرستى داود وابى حنيفة تقعان على طرفى هذا النزاع فقد نزع داود نزوعا بيّنا الى الحديث، واخذ نصوصه على ظاهرها ونزع ابو حنيفة نزوعا بيّنا الى الراى، حتى نقل عنه خصومه ومناوئه فيما ينقل عنه: لو كان رسول اللّه حيا لاخذ عنى اشياء كثيرة. وما بين هاتين المدرستين تقع سائر المدارس متوسطة بينهما كمذهب مالك والشافعى واحمد بن حنبل.
_______________________________
(1) نظرة عامة فى تاريخ الفقه 221-222.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م17  
إلّا انها على كل حال يغلب عليها طابع احدى المدرستين من النزوع للرأى او النزوع للحديث.

3- مدرسة الشيعة الامامية فى الاجتهاد

قامت مدرستا الراى والحديث على طرفى خط الاجتهاد، يدعو انصار كل مدرسة منهما الى اتجاه يغاير الاتجاه الآخر، ولا يلتقى به الا فى قليل. فكانت مدرسة (الراى) تدعو الى استعمال الراى بصورة واسعة وتاذن للمجتهد باستخدام رأيه وحتى ذوقه الشخصى فى مسائل الشريعة ... التى ليس لراى الانسان فيها نفوذ او سلطان، فعارضها أئمة اهل البيت، ورفعوا فى وجوههم الشعار المعروف (ان دين اللّه لا يصاب بالعقول) ... هذا بينما كانت مدرسة الحديث تذهب الى اتجاه مقابل تماما لا يقل خطورة عن الاتجاه الاول حيث كانت تتبنى الجمود على النص والاخذ بظاهر الحديث، والاعراض عن كل شي‏ء ما عدا الكتاب والسنة كما يذهب الى ذلك داود وغير داود من الظاهرية. وقد وجد فقهاء مدرسة اهل البيت عليهم السّلام فى كلا الاتجاهين ما يجافى روح التشريع الاسلامى واغراضه فى الحياة. فبينما يذهب الاتجاه الاول الى ادخال عنصر الراى البشرى فى مصادر الشريعة وان لم يبلغ مرحلة القطع واليقين ... يذهب الاتجاه الثانى (مدرسة الحديث) الى الاقتصار على ظاهر النصوص الشرعية فكان لا بد من اتجاه ثالث فى الاجتهاد يجمع بين ايجابيات هذه المدرسة وتلك وتجنب سلبيات كل من هاتين المدرستين. وقد قام فقهاء الشيعة بتبين هذا الاتجاه الثالث فى الاجتهاد وهذا ما سنتحدث عنه بشى‏ء من التفصيل.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م18  

الاستناد الى الحجة

لا بد للفقيه فى استنباط الحكم الشرعى، من الاستناد الى الحجة وهى: (باصطلاح الاصولى عبارة عن الادلة الشرعية من الطرق والامارات التى تقع وسطا لاثبات متعلقاتها بحسب الجعل الشرعى، من دون ان يكون بينها وبين المتعلقات علقة ثبوتية بوجه من الوجوه)(1). ومن لوازمها العقلية: المنجزية، والمعذرية. فيحكم العقل بحسن عقاب العبد على تقدير مخالفة الحجة كما يحكم بقبح عقابه على تقدير موافقة الحجة، اصاب الواقع ام لا. والحجة على قسمين: حجة بالذات وحجة بالجعل والاول هو العلم وحجّيته ذاتية، من دون توسط شى‏ء فلا تناله يد التشريع، فان الحجية والطريقية حاصلة له بالذات ولا معنى لجعل ما هو حاصل له بالذات. بل العلم هو انكشاف المعلوم ورؤية الواقع المقطوع به، وما كان كذلك فلا يمكن جعل الطريقية له او سلبه عنه. والثانى: هو الطرق والامارات المعتبرة شرعا والاصول التنزيلية منها وغير التنزيلية، وهذه الامور اما ان تكون طريقيّتها وكاشفيتها ناقصة، يتممها الشارع واما ان لا تكون له طريقية وكاشفية، ولو ناقصة، وذلك كالاصول غير المحرزة. فنحتاج فى مقام الاحتجاج بها والاعتماد عليها الى دليل من الشرع او العقل باعتبارها واسنادها. وذلك بجعل الطريقية لها وتتميم كشفها، فيما اذا كانت لها جهة كشف وطريقة ناقصة، كما فى الامارات او اعتبارها واسنادها بسند قطعى من الشرع والعقل كما فى الاصول الشرعية والعقليّة.
_______________________________
(1) فوائد الاصول للكاظمى ج 3 ص 4.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م19  
ومجمل القول ان طريقية الحجة الذاتية، نابعة من ذاتها، دون الحجة المجعولة حيث تحتاج فى حجيتها الى سند قطعى من شرع او عقل لان طريقية كل شى‏ء لا بد وان تنتهى الى العلم وطريقية العلم لا بد وان تكون ذاتية لان كل ما بالغير ينتهى الى ما بالذات وإلّا للزم التسلسل. واذا اتضح هذا الحديث عن (الحجة) التى ربما تكون قد خرجت بنا عن الصدد ... تتضح لنا معالم مدرسة فقهاء اهل البيت فى الاجتهاد.

معالم المدرسة

وما يحدد معالم هذه المدرسة بكلمة موجزة. من حيث مصادر التشريع التى تعتمد عليها هو (الاستناد على الحجة) سواء كانت الحجية ذاتية لها، ام الحجية مجعولة لها. فما يتصف من هذه الامور بالحجية الذاتية او المجعولة يؤخذ به وما لا يتصف بالحجية الذاتية والمجعولة فلا يؤخذ به. بل اكثر من ذلك ان الشك فى حجيّته كاف للقطع بعدم حجيته. فالكتاب حجة شرعية وكذلك السنة بعد الوثوق من صدورها. واما العقل فهو حجة بذاته. فيما اذا توفرت فيه الشروط التى يذكرها الاصوليون فى المقام: (العقل السليم ايضا حجة من الحجج فالحكم المنكشف به حكم بلغه الرسول الباطنى الذى هو شرع من داخل، كما ان الشرع عقل من خارج)(1). واستفاضت آيات من القرآن الكريم بالاعتماد على مقتضى العقول وحجيته قال سبحانه: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (2).
_______________________________
(1) فرائد الاصول المحشى بحاشية: رحمة اللّه ص 11. (2) الرعد: 4.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م20  
وقال: (لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (1). وقال: (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (2). وذم قوما لم يعملوا بمقتضى عقولهم فقال عزّ ذكره‏ (أَ فَلا يَعْقِلُونَ)(3). وما عدا ذلك فما ثبت حجيته بدليل قطعى من شرع او عقل أخذ به، وما لم تثبت حجيته. ولم يقم على اعتباره دليل لم يؤخذ بالاعتبار فى الاستنباط. قال تعالى: (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (4). وقال تعالى: (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (5). وقال تعالى: (آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) (6). ولما كان اتباع الرأى اتباع لغير العلم، لم يأذن له اللّه ولا يغنى عن الحق ... فلا يمكن الاعتماد عليه والاخذ به فى مجال الحكم والاجتهاد كما تأخذ به مدرسة الرأى. إلّا ان ذلك ليس بمعنى حذف الاحكام العقلية اليقينية عن مصادر التشريع والاقتصار على ظاهر الكتاب والسنة، كما تفعل مدرسة الحديث. وانما المقياس هو الاستناد على الحجة سواء كانت الحجية ذاتية ام مجعولة.

4- المدرسة الاخبارية فى الاجتهاد

وهنا لا بد ان نشير الى ان هذا الاتجاه الذى تبناه فقهاء مدرسة اهل البيت عليهم السّلام فى الاجتهاد كاد ان ينشق على اهله قبل اربعة قرون من الزمان فقد ظهر فى هذه الفترة
_______________________________
(1) آل عمران: 190. (2) الرعد: 3. (3) يس: 68. (4) الاسراء: 38. (5) يونس: 36. (6) يونس: 39.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م21  
مدرسة جديدة يتبناها جمع من الفقهاء عرفوا باسم (الاخبارية) وحدث صراع فكرى عنيف بين الاتجاه السائد والرسمى بمدرسة فقهاء اهل البيت وبين الاتجاه الجديد الذى حدث لهذه المدرسة فى هذه الفترة(1). واحتدم هذا الصراع اكثر من اى مكان آخر فى كربلاء حيث كانت تجمع فى وقتها بين قطبين كبيرين للفكر الأصولى والاخبارى معا فكان يمثل الاتجاه الاصولى فيها الوحيد البهبهانى المتوفى سنة 1208 ه ويمثل الاتجاه الاخبارى فيها الشيخ يوسف البحرانى المتوفى سنة 1186 ه وكان كل من العلمين يقوم بالتدريس ويحضر درسهما جمع غفير من الطلاب. وفى هذا الصراع الفكرى برزت (المدرسة الاصولية) اكثر من منافستها (المدرسة الاخبارية) وتبنّى كثير من فقهاء هذا المركز الفقهى المعروف (كربلاء) الاتجاه الاصولى فى الاجتهاد كالشيخ كاشف الغطاء والسيد بحر العلوم والسيد مهدى الشهرستانى وغيرهم. وليس معنى ذلك الغض من مكانة وفقاهة القطب الآخر لهذا الصراع الفكرى فقد كان الشيخ يوسف البحرانى فقيها جليلا كبيرا ويكفى فيه انه مؤلف الموسوعة الفقهية الجليلة: الحدائق الناضرة من خير ما ألفه فقهاء مدرسة اهل البيت عليهم السّلام فى الفقه. وكان كل من الوحيد البهبهانى والفقيه البحرانى طودا شامخا فى التقوى والفضيلة والفقه.

الامين الأسترآبادي‏

ومؤسس هذه الطائفة هو الشيخ امين الأسترآباديّ. والاخباريون وان كانوا ينسبون افكارهم الى الفقهاء السابقين حتى عهد الشيخ الصدوق ... ولكن الواقع ان الاخبارية كمدرسة محددة المعالم، قائمة بالذات، لم تقم الا على يد الشيخ‏
_______________________________
(1) يذكر الاخباريون شواهد كثيرة على ان هذا الاتجاه هو الاتجاه الرسمى والسائد القديم.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م22  
امين الأسترآباديّ. والأسترآباديّ بالذات كان عالما وفقيها متميزا بالخبرة العلمية وسعة الاطلاع والتعمق فى فنون كثيرة من العلم والمعرفة. وقد الف كتابا باسم (الفوائد المدنيّة) حاول فيه ان يعارض الفكر الاصولى وينقده، وينكر حجية العقل بشكل خاص، الا فيما كان له مبدأ حسى او مبدأ قريب من الحسّ كالرياضيات فان العقل حجة فيها واما ما عدا ذلك فلا حجية للعقل فيه.

معالم المدرسة

وتضطرب كلمات الاخباريين بشكل يصعب على الباحث ان يستخرج من كلماتهم شيئا محدد المعالم، ليسنده اليهم، فمن منكر للملازمة بين الحكم العقلى والشرعى، وآخر منكر للحكم العقلى الظنى. وقد انكر المحقق الخراسانى ان يكون مقصود الاخباريين انكار حجية القطع فيما اذا كان بمقدمات عقلية، وانما تتّجه كلماتهم الى (منع الملازمة بين حكم العقل بوجوب شي‏ء وحكم الشرع بوجوبه، كما ينادى باعلى صوته ما حكى عن السيد الصدر فى باب الملازمة واما فى مقام عدم جواز الاعتماد على المقدمات العقلية لأنها لا تفيد إلّا الظن، كما هو صريح الشيخ المحدث الأسترآباديّ رحمه اللّه)(1) ولكن مراجعة كلمات المحدث الأسترآباديّ نفسه يعيد الى نفوسنا الثقة بانه ممن لا يرتضى الاعتماد على غير الحديث حيث يقول، كما ينقله المحقق الخراسانى ايضا. (واذا عرفت ما مهدناه من الدقيقة الشريفة فنقول: ان تمسكنا بكلامهم عليهم السلام فقد عصمنا من الخطأ وان تمسكنا بغيره لم نعصم عنه ومن المعلوم ان العصمة من الخطأ امر مطلوب مرغوب فيه)(2).
_______________________________
(1) كفاية الاصول ج 2 ص 32-33. (2) الفوائد المدنية للاسترآبادى.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م23  
وهذا الكلام يتنافى ما يريد المحقق الخراسانى رحمه اللّه ان يستخلصه من كلمات الاخباريين. ومهما يكن من امر فلا شك ان كلمات بعض الاخباريين يمكن ان يحمل على الخلاف الصغروى من منع حصول القطع بالحكم الشرعى عن غير الكتاب والسنة ... ولكن الظاهر مما ينسب الى كثير منهم كالمحدث الأسترآباديّ والسيد نعمة اللّه الجزائرى والمحدث البحرانى‏(1) هو القول بعدم حجية القطع الحاصل عن غير الكتاب والسنة، بعد حصوله‏(2). إلّا ان الذى يستطيع الباحث ان يستخلصه من كلمات الاخباريين ويطمئن الى نسبته اليهم، دون ان يضر بذلك اختلاف كلماتهم هو القول (بلزوم توسط الاوصياء سلام اللّه عليهم فى التبليغ فكل حكم لم يكن فيه وساطتهم فهو لا يكون واصلا الى مرتبة الفعلية والباعثيّة وان كان ذلك الحكم واصلا الى المكلف بطريق آخر(3). فلا يمكن الاعتماد بناء على هذه الدعوى، على العقل فى الحكم والاجتهاد ويتلو ذلك عند الاخباريين الاحتجاج بالكتاب العزيز، فقد وقف الاخباريون عن العمل بالقرآن لطرو مخصصات من السنة ومقيدات على عمومه ومطلقاته، ولما ورد من احاديث ناهية عن تفسير القرآن بالرأى‏(4) وفى هذا القدر من الرأى ما فيه من تعقيد وتعطيل للاجتهاد. ولسنا ندرى على التحقيق ما كان يؤول اليه امر الاجتهاد لدى فقهاء الامامية لو كانت هذه الموجة تنجح فى تغيير خط الاجتهاد الى هذا المجرى ولربما كان يؤول امره الى اتجاه يشبه اتّجاه مدرسة الحديث فى العصر العباسى.
_______________________________
(1) حاشية المشكينى على الكفاية ج 2 ص 32 ط ايران. (2) راجع دراسات الاستاذ المحقق الخوئى ج 3 ص 46 ط النجف. (3) اجود التقريرات للعلامة المحقق الخوئى ج 2 ص 40 ط صيدا. (4) راجع الاصول العامة للفقه المقارن ص 103-104 ط بيروت.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م24  
هذا كله رغم ما نكنّ لهولاء العلماء الاخباريين من ناحية علمية ودينية من احترام عميق وتقدير لما بذلوه من جهود، ولما كانوا يتصفون به من اخلاص وتقوى ويكفى ان يكون منهم الشيخ صاحب الحدائق والشيخ الأسترآباديّ والسيد الجزائرى وغيرهم، وكلهم من فقهاء الشيعة الكبار، وممن خدموا الفقه خدمات جليلة كبيرة وكان لتطور وتعمق الدراسات الاصولية المتأخرة دور كبير فى تعديل وتلطيف هذا الاتجاه. ويروى ان الشيخ الانصارى رحمه اللّه كان يقول: لو كان يقدر للاسترآبادى ان يرى ما كتبته فى الرسائل لكان يرجع عن آرائه. اما بعد فقد كان هذا حديثا عن الاجتهاد واتجاهاته ... حاولنا فيه ان نتعرض فيها لمدارس الاجتهاد، منذ وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الى الوقت الحاضر، وما بينها من اختلاف وتصادم، وحاولنا بعد ذلك ان ندرس كل مدرسة من هذه المدارس بما يتسع له صدر هذه المقدمة بشى‏ء من الموضوعية، ثم نجد موقف مدرسة اهل البيت فى الاجتهاد من المدارس القائمة فى الوقت الحاضر ومن المدارس التى قامت على انقاضها ثم دخلنا مع التاريخ منعطفا هامّا من المنعطفات التاريخية التى انتهت اليها مدرسة الاجتهاد عند الامامية قبل اربعة قرون من الزمان لنرى عن كثب عوامل وآثار هذا الاتجاه الجديد الذى ظهر فى مدرسة اهل البيت ثم عادت هذه المدرسة الى انسجامها واعتدالها من جديد دون ان يترك اثرا مهمّا فى سير هذه المدرسة واتجاهها. والآن وبعد هذه الجولة الشيقة فى تاريخ الاجتهاد وآفاقه من خلال كتب الاصول والفقه والحديث والتاريخ ندعو القارى الى ان يدخل ابحاث الكتاب الذى بين يديه، بعد ان تجلت له فى هذا الحديث بعض الحقائق عن الاجتهاد وتاريخه ومدارسه. والحمد للّه اولا وآخرا. النجف الاشرف: محمد مهدى الآصفى.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م25  

مصادر التمهيد

1- القرآن الكريم. 2- الأحكام فى اصول الاحكام للآمدى. 3- اجود التقريرات للسيد الامام ابى القاسم الموسوى الخوئى. 4- ارشاد الفحول: للشوكانى. 5- الاصول العامة للفقه المقارن: للسيد محمد تقى الحكيم. 6- تاريخ التشريع الاسلامى حسين على الاعظمى. 7- تاريخ بغداد للخطيب البغدادى. 8- حاشية المشكينى على الكفاية. 9- حلية الاولياء لابى نعيم الأصبهاني‏ 10- دراسات الاستاذ المحقق الخوئى للسيد على الشاهرودى. 11- سلم الوصول الى علم الاصول: عمر عبد اللّه. 12- صحيح البخارى. 13- طبقات الحفّاظ للذهبى. 14- الطبقات الكبرى لابن سعد. 15- فجر الاسلام: احمد امين. 16- فرائد الاصول: للشيخ الانصارى.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م26  
17- فوائد الاصول: للشيخ محمد على الكاظمى. 18- الفوائد المدنية للاسترآبادى. 19- كفاية الاصول للشيخ محمد كاظم الخراسانى. 20- المقدمة لابن خلدون. 21- مقدمة اللمعة الدمشقية: محمد مهدى الآصفى. 22- النص والاجتهاد للسيد عبد الحسين شرف الدين. 23- نظرة عامة فى تاريخ الفقه للدكتور على حسن عبد القادر 24- نهاية الافكار للحجة الشيخ محمد تقى البروجردى.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م27  

فهرس ابحاث التمهيد

العنوان --- الصفحة
4- تقديم --- 3-2 مدارس الاجتهاد فى الفقه الاسلامى --- 4 مدرسة الرأى --- 5 ادلة القائلين بالرأى --- 7 موقف أصحاب الرأى من الشريعة --- 8 موقف اصحاب الرأى من السنة --- 9 موقف اهل البيت من مدرسة الرأى --- 12 مدرسة الحديث --- 13 مدرسة الشيعة الاماميّة فى الاجتهاد --- 15 الاستناد الى الحجة --- 16 معالم المدرسة --- 17 المدرسة الاخبارية فى الاجتهاد --- 18 الامين الأسترآباديّ --- 19 معالم المدرسة --- 20 مصادر التمهيد --- 24-23
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م28  
وبعد الاحاطة بمحتوى هذه المقدمة المختصرة ودراسة مدرسة الشيعة فى الاجتهاد وانها هى منهل الاحكام التى لها الاصالة بعيدة عن التعصب والضلالة ينبغى أولا للمستنبط والمفتى: أن يتمسك بكتاب اللّه وعترة رسوله المقترنين فى ترتب عدم الضلالة بالاخذ عنهم كالاخذ من الكتاب حيث ورد التمسك بهما فى حديث الثقلين المتفق عليه عند الفريقين (الشيعة والسنة). وأن يتبصر بان المراد من التمسك بهما ليس الّا الاخذ منهما والعمل بأوامرهما والانتهاء عن نواهيهما والاهتداء بهدايتهما وان امره صلّى اللّه عليه وآله بالتمسك بهما انما هو للهداية الى طرق السداد ومنهاج الرشاد وأن الاحتياج اليهما للنجاة من الضلال والوصول الى نهاية الكمال. وثانيا- يمدّ نظره الى وصية الائمة عليهم السّلام فى لزوم مراعاة حق اللّه تعالى عليه من قبيل وصية امير المؤمنين لولده الحسن عليهم السّلام. واعلم: يا بنىّ أن احبّ ما انت آخذ به الى من وصيتى، تقوى اللّه والاقتصار على ما فرضه اللّه عليك والاخذ بما مضى عليه الاولون من آبائك والصالحون من أهل بيتك فانهم لم يدعوا أن نظروا لأنفسهم كما انت ناظر وفكروا كما انت مفكر ثم ردهم آخر ذلك الى الاخذ بما عرفوا والامساك عما لم يكلفوا فان ابت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك ذلك بتفهّم وتعلّم لا بتورط الشبهات وعلق الخصومات وابدأ قبل نظرك فى ذلك بالاستعانة بالهك، والرغبة اليه فى توفيقك وترك كل شائبة أولجتك فى شبهة أو أسلمتك الى ضلالة ... (1) ومن مثيل صحيحة زرارة بن اعين قال: قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام: ما حق اللّه على خلقه؟ قال: حق اللّه على خلقه أن يقولوا بما يعلمون ويكفوا عما لا يعلمون فاذا فعلوا ذلك فقد واللّه أدوا اليه حقه‏(2). واذا صح ذلك فهاكموا: اقرءوا كتابيه‏
_______________________________
(1) نهج البلاغة، ضبط صبحى الصالح، ص 394-395 ووسائل الشيعة 18/ 125. (2) الوسائل 18/ 123.
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م29  
الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد والإحتياط والقضاء تقريرات الدراسات الاصولية العليا لاستاذنا آية الله العظمى المرجع الاعلى السيد ابوالقاسم الخوئي بقلم الشيخ ميرزا غلامرضا عرفانيان اليزدي الخراساني
  الرأى السديد في الإجتهاد والتقليد       م30  
(صفحة فارغة (مطابق للمطبوع